حديث الجمعة الحلقة : ( 198) موجبات تزكية النفس وتنقيتها من الرذائل 2 .

صوت سوس13 ديسمبر 2018
حديث الجمعة الحلقة : ( 198) موجبات تزكية النفس وتنقيتها من الرذائل 2 .

حديث الجمعة

الحلقة الثانية من موجبات تزكية النفس وتنقيتها من الرذائل

الحلقة (198)

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10]. نحمده سبحانه وتعالى أن وهب النفوس وبين لها طريق الخير، وحذرها من طريق الشر والضير، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد القائل: “اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا”، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين زكوا أنفسهم بما رسم لهم دينهم، حتى رضي عنهم ربهم بذلك وأرضاهم، وعلى تابعيهم وتابعي تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

فيقول الله –تعالى- في محكم تنزيله -وهو أصدق القائلين-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

إخواني القراء الأعزاء: تحدثنا في ركن الجمعة الماضي عن موضوع تزكية النفس وتحليتها بالفضائل، وتنقيتِها من المعاصي والرذائل، وأن الله –تعالى- جعل في كل واحد منا قوةً واعية مدركة، من استخدمها في الخير وغلَّبها على الشر أفلح، ومَن ظلم هذه القوة وجنى عليها وأضعفها خاب وخسر، وهذه القوة هي الفطرة التي يولد عليها كل مولود، والتي قال عنها –عليه الصلاة والسلام-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30] الْآيَةَ [البخاري ومسلم].

وبينا أنه يتوجب على كل مسلم ومسلمة أن يستخدم هذه القوة الواعية، والفطرة السليمة في تزكية نفسه وتحليتها بالفضائل، وتطهيرها من كل خلق رديء سافل، حتى يعود بنفسه إلى الفطرة السوية التي خلقت عليها البشرية.

وذكرنا من موجبات تزكية النفس إبعادَها عن الشرك وإلزامَها العقيدة الصحيحة، وتحليتَها بالقيم الفاضلة، من الصدق والقناعة والتواضع وغير ذلك من القيم السمحة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف.

وفي ركن اليوم: نذكر موجبات أُخرَ لتزكية النفس وتنقيتِها من الرذائل، منها تجديد الإيمان على الدوام؛ إذ الإيمانُ يَخلَق كما تَخْلَقُ الثياب، ولذا كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذُ أحدُهم بيد الآخر فيقول له: “تعالَ نُؤمن ساعة”، فيجلِسان فيذكُران الله تعالى؛ إذ في ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وطاعته والازدلاف إليه أعظمُ ما يُجدِّدُ الإيمانَ في نفس المؤمن، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» [أخرجه الحاكم في المستدرك وقال حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَاد…].

قَالَ أهل العلم: فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَتَى قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِيمَانًا. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ لِبَعْضٍ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً، يَعْنِي نَذْكُرُ اللَّهَ. وَالذِّكْرُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِيمَانٌ مَتَى أَتَوْا بِهِ ازْدَادُوا إِيمَانًا [تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (2/ 787)].

ومما يُزكِّي النفسَ ويُصلِحُ القلب: دوامُ تذكُّر نعم الله التي أنعمَ بها على عباده؛ فإن إحصاءها خارجٌ عن مقدور البشر، كما قال –تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].

فإن التذكُّر للنعم يُورِثُ الذاكِر لها كمالَ تعلُّقٍ وتمامَ توجُّهٍ إلى الله، وخضوعًا وتذلُّلاً له سبحانه، فإن كل ما وهبَه الله لك أيها الإنسان: من حياةٍ وصحةٍ ومالٍ وولدٍ وعلم وجاهٍ وغير ذلك إنما هو منَّةٌ منه وفضلٌ وإنعامٌ أنعمَ به عليك، ولو شاء لسلَبَ ذلك منك متى شاء؛ فإنه مالكُ الملك كله، بيده الخيرُ يُؤتيه من يشاء ويصرِفُه عمن يشاء.

قال –تعالى-: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27].

ومما يُزكِّي النفوسَ أيضًا: أعمالُ القلوب؛ فإن القلبَ ملكُ الجوارح، تصلُح بصلاحه، وتفسُد بفساده، كما جاء في الحديث: «ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلَحت صلَح الجسدُ كله، وإذا فسَدت فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب»؛ [أخرجه الشيخان].

ومن أهمها تلك الأعمال وأعظمها: نيةُ المرء ومقصودُه من كل عملٍ يعمله؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه لدُنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه»؛ [أخرجه الشيخان].

فلنصلح العمل، ولنصحح النيات، ولنخلص القصد، فإن الله –تعالى- يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

اللهم ارزقنا الإخلاص والصواب في الأقوال والأفعال، وأعنا على تقوى نفوسنا وتزكيتها، فأنت خير من أعان على تقواها وتزكيتها، أنت وليها ومولاها آمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صوت سوس : الدكتور / أحمد بن محمد فاضل.

الاخبار العاجلة