حديث الجمعة الحلقة : (178) غض البصر .

صوت سوس20 يوليو 2018
حديث الجمعة الحلقة : (178) غض البصر .

حديث الجمعة

الحلقة: (178)

{غض البصر}

الحمد لله رب العالمين، أمر بغض البصر عبادَه المؤمنين، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره على نعمة النظر، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد خير البشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما هلل مهلل وكبر، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المحشر.

أما بعد:

فيقول الله –جل وعلا- في محكم التزيل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

أيها القراء الأفاضل الكرام: كان حديثنا في الجمعة الماضية حول موضوع خلق الحياء، بينا فيه أن الحياء خلق إسلامي رفيع لا يأتي إلا بخير، وأن الإسلام عده شعبة من شعب الإيمان، من رُزقه رُزق كل خير، ومن حٌرمه حُرم كل خير.

كما بينا أن الحياء الحقيقي يتمثل في حفظ “الرَّأْسِ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنِ وَمَا حَوَى […] مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاء.”

واليوم أيها الإخوة الكرام: نتحدث في موضوع مرتبط بالحياء، له علاقة وطيدة به، إنه موضوع غض البصر؛ لأن من استحيا غض بصره، ومن غض بصره حفظ فرجه، ومن حفظ فرجه ضمن الجنة، قال –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» [رواه البخاري].

إذ إطلاق العنان للبصر باب يدخل منه الشيطان، فيفسد على الإنسان دينه ودنياه؛ لأن من كثرت نظراته، دامت حسراته، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يقول: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها مخافتي، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه» [رواه الطبراني وصححه الحاكم].

أيها القراء الأعزاء: إن الإسلام عالج مشكل إطلاق البصر بأمور:
منها: أنه اعتبر النظر إلى المحرمات زنى، يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «العينان تزنيان وزناهما النظر ويحقق ذلك الفرج أو يكذبه» [رواه الإمام أحمد].

وإنما سماه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- زنى؛ لأنه نوع من التلذذ، ونوع من إشباع الغريزة بغير الطريق المشروع، ولذلك قُرن بالفرج في أكثر من آية وأكثر من حديث، من ذلك الآية السابقة الذكر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

ويقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- في الحديث الصحيح: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [رواه البخاري].

ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم». [رواه الطبراني وأحمد وابن حبان والحاكم بإسناد حسن].

فحري بمسلم يؤمن بأن النظر في الإسلام نوع من أنواع الزنى أن يغض بصره.

ومنها: أن الإسلام اعتبر الاسترسال في النظر حراما، يقول الرسول الكريم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة». [رواه الترمذي].

وروى الإمام مسلم عن جابر قال: «سألت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري».

ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع من غير قصد من الناظر. فحري بمسلم يؤمن بأن استرسال النظر حرام في الإسلام أن يغض بصره.

ومنها: أن الإسلام اعتبر غض البصر واجبا من واجبات الجلوس في الطرقات، وتقاس عليها الأماكن العمومية التي يغشاها الناس كالمقاهي والحدائق؛ يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فيما روى البخاري ومسلم: «إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها. فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذي، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
فحري بمسلم يؤمن بأن غض البصر في الإسلام واجب أن يحافظ عليه.

ومنها: أن الإسلام اعتبر البصر مسؤولية سوف يسأل عنها صاحبها يوم القيامة، قال الله –تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]. بل إن العين سوف تقف يومئذ ضد صاحبها فتشهد عليه بما اقترف بها، فلا مجال يومئذ للإنكار يقول الله –تعالى-: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النور: 24].

ويقول –سبحانه-: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت: 20] ، فحري بمسلم يؤمن بأن البصر في الإسلام مسؤولية أن يحافظ عليها، ويغض بصره عن محارم الله.

نسأل الله –عز وجل- أن يوفقنا لحفظ جوارحنا، وغض أبصارنا، وأن يبدلنا عن ذلك إيمانا نجد حلاوته في قلوبنا، إنه سبحانه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقتطف من خطبة للشيخ عبد الله بنطاهر –شفاه الله- في الموضوع نفسه مع تصرف يسير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صوت سوس : الدكتور / أحمد بن محمد فاضل.

الاخبار العاجلة